قال: وأكل ذبيحتنا، أي: من يعتقد أننا على الحق فإنه سيأكل ذبيحتنا، ومن يعتقد أننا على الكفر ولسنا على الإيمان فإنه لا يأكل ذبيحتنا؛ لأن العادة أن الناس لا يأكلون الذبيحة إلا إذا كانوا يعرفون دين صاحبها، ولهذا نجد أننا معاشر المسلمين لا نأكل ذبائح المشركين، أما أهل الكتاب فقد استثناهم الله سبحانه وتعالى حيث قال: ((وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ))[المائدة:5] على تفصيل سيأتي.
والمقصود أن الذبيحة تعد معياراً؛ فإذا أكلت ذبيحة أحد فأنت قد وافقته إن كان من أهل القبلة، وأقررته على ما هو عليه من الدين إن كان من غيرهم -مثل أهل الكتاب- لأن الله تعالى استثناهم.
وبمعنى آخر نقول: إذا حرمت ذبيحة أحد من الناس فمعنى ذلك أنك تكفره أو تطعن في دينه، فإذاً قوله: {من صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا} فيه دلالة على أن من أكل ذبائح الصحابة الكرام فقد دان بدينهم واعتقد بصحته، ولو ترفع أحدٌ عن أكل ذبائحهم فمعنى ذلك أنه مخالف لهم في الدين، ولا يعتقد صدقهم، ولا صحة إيمانهم.
وهناك رواية أخرى ذكرها الإمام البخاري رحمه الله بعد هذه الرواية، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله } وفي الرواية الأولى قال: {وأكل ذبيحتنا} والروايتان توضح إحداهما الأخرى، فقوله: ذبحوا ذبيحتنا أي: ذبحوا على طريقتنا وديننا في الذبح، بأن يكون الذبح عبادة وتقرباً إلى الله تعالى، وأن يذكر اسم الله عليه؛ فمن ذبح لغير الله فليس منا، ومن ذبح وذكر عليه غير اسم الله كأن يقول: للات والعزى، أو للمسيح، أو لو قال: للشيخ عبد القادر أو البدوي؛ فيشمله الحكم السابق.
إذاً قوله: ذبحوا ذبيحتنا أي: ذبحوا كما يذبح المسلمون، فيذبحون تقرباً إلى الله، وأي ذبيحة فإنهم يذكرون اسم الله عليها.